وِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ يَشْكُو ضِيقَ المَعَاشِ .. فَكَأَنَّمَا يَشكُو رَبَّهُ، وَمَنْ أَصْبَحَ الأُمُورِ الدُّنْيَا حَزيناً .. فَقَدْ أَصْبَحَ سَاخِطَاً عَلَى اللَّهِ،
باب الثلاثي
وفيه خمس وخمسون موعظة، سبعة أخبار والباقي آثار …
المقالة الأولى: روي عن النبي الله أنه قال: «مَنْ أَصْبَحَ) أي دخل في وقت الصباح (وَهُوَ يَشْكُو) إلى الناس ( ضِيقَ المَعَاشِ فَكَأَنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ) والشكاية لا تليق إلا إلى الله فإنها من جملة الدعاء.
أما الشكاية إلى الناس فهي من علامات عدم الرضا بقسمة الله تعالى له كما روي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول : أَلَا أُعَلِّمُكُمُ الكَلِمَاتِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ جَاوَزَ البَحْرُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيل؟ فقلنا : بلى يا رسول الله، قال: قولوا اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَإِلَيْكَ المُشْتَكَى وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِالله العلي العظيم، قال الأعمش : فما تركتهن منذ سمعتهن من شقيقي الأسدي الكوفي، وهو عن عبد الله رضي الله عنه .
قال الأعمش : أتاني آت في المنام فقال: يا سليمان زد في هذه الكلمات ونستعينك على فساد فينا وتسألك صلاح أمرنا كله .
(وَمَنْ أَصْبَحَ) أي دخل في الصباح الأمور الدُّنْيَا حَزِينَاً فَقَدْ أَصْبَحَ سَاخِطَاً على الله) والمعنى من حزن على أمور الدنيا فقد غضب على الله لأنه لم يرض بقضاء الله ولم يصبر على بلائه ولم يؤمن بقدره لأن كل ما وقع في الدنيا فهو
بقضاء الله تعالى وقدره (وَمَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِي لِغِنَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ ثُلُنَا دِيْنِهِ) أَي لأن الشريعة أن يكون تعظيم الناس لأجل صلاحه ولأجل علمه دون التعظيم لأجل ماله. فإن من أكرم المال أهان العليم والصلاح
وَعَنْ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ثَلَاتٌ لَا تُدْرَكُ بِثَلَاثٍ : الغِنَى بِالمُنَى ، وَالشَّبَابُ بِالخِضَابِ، وَالصَّحَةُ بِالأَدْوِيَةِ.
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : حُسْنُ التَّوَدُّدِ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ العَقْلِ، وَحُسْنُ السُّوَالِ نِصْفُ العِلْمِ، وَحُسْنُ التَّدْبِيرِ نِصْفُ المَعِيشَة.
قال سيدي عبد القادر الجيلاني قدس سره لا بد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء أمر يمتثله، ونهي يجتنبه، وقدر يرضى به، فأقل حالات المؤمن لا يخلو فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة فينبغي له أن يلزم همها قلبه ويحدث بها نفسه ويأخذ الجوارح بها في سائر أحواله اهـ.
(و) المقالة الثانية ( عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: ثلاث لا تدرك بثلاث أي ثلاث خصال لا تطلب بثلاثة أشياء الغني بالمنى) بضم الميم جمع منية أي فلا يحصل الغنى بالأماني بل بالقسمة من الله تعالى (والشباب بالخضاب) فلا يحصل الشباب بخضاب الشعر بالحناء ونحوه والصحة بالأدوية) فلا تحصل الصحة بنفس الأدوية بل بشفاء الله تعالى.
(و) المقالة الثالثة عن عمر رضي الله عنه : حسن التودد) أي المحبة (إلى الناس نصف العقل كما روى ابن حيان والطبراني والبيهقي عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: مُدَارَةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ أي ملاطفة الناس بالقول والفعل يثاب عليها ثواب الصدقة، وكان من مداراته أنه لا يذم طعاماً ولا ينهر خادماً ولا يضرب امرأة والمداراة هي ترك الدنيا لأجل الدين عكس المداهنة وحسن السوال) أي للعلماء (نصف العلم لأن العلم يحصل به وحسن التدبير) أي إجراء الأمور على علم العواقب (نصف المعيشة) وهي مكسب الإنسان الذي يعيش